فصل: دروس من القصة القرآنية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل إلى علوم القرآن الكريم



.دروس من القصة القرآنية:

وفي كل القصص تبرز معاني إنسانية عظيمة الأهمية في حياة البشر، فهناك الصراع بين الحق والباطل، وهناك عواطف البشر تطفو على السطح متحدية قيم المجتمع مؤكدة أن الإنسان لا يملك ذاته وهناك الظلم الطاغي الذي سلطه الطغاة على المستضعفين.
ويمكننا أن نستنتج من كل قصة مواقف إنسانية، ففي قصة موسى وفرعون يتجسد الطغيان في أقسى صورة، وفرعون هو رمز لهذا الطغيان، فهو يستعبد الناس ويظلمهم، ويقتل من شاء، ولا تجد امرأة ضعيفة طريقا لإنقاذ وليدها الصغير إلا أن تلقيه في البحر وهذا أقسى حالات اليأس والقنوط والإذلال، ويأبى الله إلا أن ينتصر الحق وتتدخل القدرة الإلهية فتتعهد ذلك الطفل، وتجعله الأمل المرتجى لخلاص بني إسرائيل، وتبرز المعجزة كما حكاها القرآن، يكبر موسى، وتلتقطه امرأة فرعون لكي يكون قرة عين لها ولزوجها فإذا به الخصم العنيد الذي يحمل اللواء لتحرير الإنسان من الظلم، والعاقبة في كل المعارك للحق والعدل، ومهما طال ليل العبودية فالفجر هو الوليد المنتظر بعد كل ظلام، ويحمل موسى أمانة التكليف ويواجه فرعون وقومه ويتحداهم في عقر دارهم، ويطارد استقرارهم وأمنهم، وينغص عليهم عيشهم، ويقع الصدام ولابد منه، ويقع التنكيل برموز الحق ودعاة الحرية، وهذا لابد منه أيضا، وفي النهاية، ومهما طال الصراع، فالمواطن المظلوم سيقاوم من ظلمه إلى أن يسترد حقه ويمارس حريته، وعظمة الرسل والأنبياء أنهم كانوا دائما إلى جانب الحق يدافعون عن حرية الإنسان وكرامته وينتصرون لمبادئ الفضيلة ويقاومون الكفر والشرك، ويعيدون المسيرة الإنسانية لطريقها الصحيح، كلما ضلت طريقها.
وفي قصة يوسف تبرز النفس الإنسانية عارية مكشوفة، تحت تأثير الغرائز والشهوات، وليس أقسى على الإنسان من تحكم غرائزه والغريزة هي العدو الأول للإنسان، إذا تحكمت واستبدت، لأن الغريزة قوة عمياء متسلطة طاغية تتحكم في السلوك الإنساني وتقود الإنسان إلى أسوأ أنواع السلوك، فلا يتعقبه ضمير ولا يحاسبه رادع من خلق، ويقف إخوة يوسف في مواجهة أخيهم الصغير يوسف الذي حظي بسبب جماله وذكائه وفطنته بمحبة والده ورعايته..
وتتحرك النفس الأمارة بالسوء غاضبة مختنقة بمشاعر الحسد متطلعة للانتقام، باحثة عن سبب لتحقيق هذه الغاية، والنفس التي لم تبلغ كمالها الخلقي تظل عرضة لانفعالات خطيرة مدمرة لكل القيم الأخلاقية، وينقض الإخوة على أخيهم الصغير، فيوسعونه إذلالا، فينتصر الأب لولده الصغير، فتزداد مشاعر الغضب، وتستبد تلك المشاعر بتفكير الإنسان، ويفكر بعضهم بقتل ذلك الأخ، وينصرف الجميع إلى إلقائه في غيابات جب مهجور في طريق بعيد، ويحزن الأب ويتألم، ولا يملك إلا أن يصبر الصبر الجميل.
وتقود العناية الإلهية التي احتضنت هذا الطفل مسيرته، وتطوقه بما يضمن له السلامة، ويجد نفسه في رحاب قصر عظيم السلطان وفي قبضة امرأة أحكمت طوقها حوله، أحبته وتعلقت به وشغفها حبا وراودته عن نفسه فاستعصم، وجرح كبرياءها وأذل أنوثتها وكيف يمكن لمثله أن يرفض هذا الشرف العظيم، وأرادت أن تذله كما أذلها وأن تجرحه كما جرحها، وأن تقول للناس جميعا بأنها الأقوى والأقدر، فرمته في السجن غلاما منسيّا، وكان يمكن أن يظل في السجن ولا يذكره أحد، وأعطاه الله سلاح التأويل، وأمده بمعجزة، وسلط على مصر قحطا، وخرج من السجن بعد أن شهدت له تلك المرأة بحسن السلوك وأصبح صاحب سلطة ونفوذ، ووقف إخوته بين يديه يطلبون منه الطعام ويخرون بين يديه سجدا، يلتمسون منه العفو والصفح والمغفرة...
وهكذا تمضي القصة في القرآن، في أداء دورها في الإقناع والتأثير، مخاطبة الإنسان، مستلهمة العبر من التاريخ، مستشهدة بمواقف مشهودة ومعلومة، مؤكدة دور الأنبياء والرسل في إصلاح المجتمع ومقاومة رموز الشر فيه، داعية إلى الاعتبار من التاريخ معززة القيم الإنسانية مبشرة الإنسان بغد ينتصر فيه الخير على الشر والعدل على الظلم.